“الغايب”.. سردية فنية تنحت في سنوات الغضب والاختلاف بين رفقاء الثورة المصرية
بملامح تحمل الجرأة والمخاوف والمجهول والتغيرات بمصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، يشق الناشط حسام “أسامة صلاح” طريقه القلق بالقرب من ميدان التحرير وسط القاهرة، قبل أن يظهر مصابا بإحدى المستشفيات ويدخل في غيبوبة، وسط صراعات وتحولات دراماتيكية -لا سيما بين اليأس والانتهازية والأمل الغائب والحب والوفاء- تتمحور في شخصيات الطبيب (محمد شومان) وقلق الوالد (وجدي العربي) وتحقيقات اللواء سمير المنياوي (هشام عبد الحميد).
مشاهد بخليط فني إنساني، ينحت في سنوات الغضب والاختلاف بين رفقاء الثورة أنتجت فيلما سينمائيا مصريا مدته 80 دقيقة، ويعود معه وجدي العربي للشاشة لأول مرة في الخارج، بمشاركة نجوم مثل هشام عبد الحميد ومحمد شومان، بجانب الفنانات؛ التونسية ريم جبنون، والمصرية هبة عثمان، والسورية منال ملبوت ومجموعة من الوجوه الشابة المصرية في إسطنبول.
وينتظر أن يبث الفيلم -الذي يقول صانعوه إنه “ليس سياسيا”- عبر شاشة قناة مكملين المصرية المعارضة، أول أيام عيد الفطر، بحسب إعلان المنتجين شركتي “إيه 2 زد” (A 2 Z) للأعمال الدرامية، و”دوتس ستوديو” (Dots Studio) للإنتاج الفني.
الفيلم شهد عملَ إسلام عاصي كمخرج منفذ، بجانب مدير التصوير التركي بريش إيجين، ومونتاج يوسف سليم، ومصطفى عزب مديرا للإنتاج، ومحمد الهندي مساعدا له.
اقرأ ايضاً:
حقيقة مثلث برمودا
رسالة
بدوره، أعرب الفنان وجدي العربي عن سعادته بالعمل، حيث إنه أول عمل سينمائي ودرامي له خارج مصر، مشيدا بفكرة الفيلم التي لاقت استحسانه.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار العربي إلى أن الفيلم سرد تاريخ حقبة مهمة عاشها الشعب المصري، حيث تناول أحداث محمد محمود وماسبيرو، وانتخاب الرئيس الراحل محمد مرسي، وقدم أحداث حقيقية بنكهة درامية.
وأوضح أن تصوير الفيلم جاء في أجواء صعبة للغاية نظرا للإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا وصعوبة الأجواء والطقس وطول ساعات التصوير التي تجاوزت الـ 17 ساعة في بعض الأحيان.
وأضاف العربي “لكن أجواء التصوير وفريق العمل والإحساس العالي لهم أزال هذا الإرهاق”.
وأشاد الفنان الكبير وجدي العربي بالشباب الممثلين المشاركين في العمل قائلا “هم هواة بنكهة الاحتراف”، متوقعا لهم مستقبلا كبيرا في عالم التمثيل.
سرد فني إنساني
بدوره، قال مؤلف الفيلم أحمد زين، إن النص بسيط في سرده، ويتسم بالطبيعية والتلقائية في التناول، لنجعل كل مشاهد يعيش العمل ويتوقع أن يمر بالظروف التي مر بها أبطال الفيلم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف “لا أصنف الفيلم كونه فيلما سياسيا، فهو يتحدث عن الصداقة والوفاء والحب، وعن الأصدقاء الذين فرقتهم الحياة واختياراتهم، مع وجود خلفية سياسية وراء الأحداث”.
وأشار زين إلى أن الفيلم لا يتخذ موقف سياسي من الأحداث التي عاشها أبطاله، حيث تختلف بين شخصيات العمل، فمنهم من يتخذ موقفا سياسيا معارضا للحريات، ولكنه يتخذ موقفا إنسانيا ودراميا مُشرفا، والعكس فهناك من يتخذ موقفا سياسيا مؤيدا للثورة، لكنه دراميا يتخذ مواقف متخاذلة لأصدقائه.
وأشار مؤلف الفيلم إلى أن العمل لا يتخذ أي حكم سياسي ولا يتبنى انتصارا لأي تيار على الآخر بقدر تعمقه إنسانيا بين شخصيات العمل، وهذا ما طمح له من وراء الفيلم.
واستكمل زين “العمل الفني يجب أن يُقيّم كونه عملا فنيا، وهل نجح في إيصال رسالته، وأثر في الجمهور، وحقق هدفه، وهل عناصر العمل الفني متماسكة سواء الكتابة أو الإخراج وأداء الممثلين، لا كونه صادرا عن مجموعة معارضة لنظام”.
وأضاف أن “الأعمال السياسية في الوطن العربي تواجه بتهم، عكس ما يحدث في العالم من تواجد أعمال فنية تناقش قضايا وصراعات سياسية، وهذا ليس عيبا، إنما العيب هو تحول العمل الفني للدعاية والسطحية في التناول”.
وحول كون المشاركين في العمل يتصفون بمعارضتهم للنظام الحاكم في مصر، قال مؤلف الفيلم “من المفروض أن يكون للفنان موقفا أخلاقيا واضحا من كل ما يمس حقوق الإنسان والحريات العامة، ولكن لا يطغى هذا الموقف على العمل المقدم”.
اقرأ ايضاً:
تخيل أن تقوم حرب بسبب خنزير
صعوبات العمل والتحدي الأكبر
قدم أحمد أبو الفتوح -مخرج فيلم “الغايب”- عددا من الأعمال الفنية خارج مصر، أبرزها مسلسل “شتاء 2016″، و”سيت كوم نقرة ودحديرة”، وبرنامج “ستوديو 25”.
وقال أبو الفتوح -في حديثه للجزيرة نت- “حرصنا في هذا العمل أن نبعد عن مساحة الاشتباك السياسي، وسعينا لإبراز النقاط التي تؤدي للوحدة وتجميع الصفوف”.
وأضاف “كان للعمل رسالة واضحة وهو توحيد الصفوف، ولذلك سلطنا الضوء على بداية اصطفاف الجميع في ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي يراها الجميع أنها نقطة الضوء والأمل”.
وحول التحديات التي واجهتهم أثناء تصوير العمل، قال مخرج الفيلم “كان أمامنا تحدٍ كبير وهو كيفية صُنع ديكورات تناسب البيئة المصرية وتجعل المشاهد يشعر أن التصوير تم في مصر، كذلك العمل وسط أجواء الإجراءات والتدابير الاحترازية لفيروس كورونا”.
وتابع “كان هناك تحدٍ آخر في العمل وهو الشخصيات المشاركة وتوقيت الأحداث التي يستعرضها الفيلم بداية من عام 2011 وصولا لعام 2019، والتغيرات الجسمانية والبدنية التي تطرأ عليهم”.
فيما شدد أبو الفتوح على أن التحدي الأصعب كان في التكلفة المادية للعمل الدرامي (لم يحدد قيمتها)، والحرص على جودة العمل وخروجه بالشكل المناسب والمأمول الذي ينافس الأعمال الدرامية التي يُصرف عليها مليارات الدولارات.
وأشار أبو الفتوح إلى أن انضمام مجموعة من شباب الممثلين للفريق، والعمل مع قامات فنية كبيرة مثل الفنانين هشام عبد الحميد ومحمد شومان ووجدي العربي، أضاف إليهم الكثير وأكسبهم الخبرة.